كثيرا ما يمر علي حالات أثناء ممارستي لمهنتي كمحام أتساءل فيها كيف أوقع هذا الشخص أو ذاك نفسه في هذا المأزق القانوني، خصوصا في وقائع السب والشتم والتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص (تويتر) الذي أصبح مصيدة لمن لا يحسنون وزن مفرداتهم ولا عواطفهم فتسوقهم تغريداتهم إلى المحاكم في الوقت الذي كان بوسعهم أن يعبروا عن رأيهم دون الحاجة الى استخدام مصطلحات تجرمها الشريعة والقانون، إلا أن ضجيج المتابعين وهوس التصفيق الإلكتروني والعمى الأيدلوجي دفعهم لأن يلجوا دائرة الملاحقة القانونية التي قد تكلفهم سابقة جنائية تلطخ سجلهم الجنائي في مقابل تغريدة سرعان ما تتلاشى من ذاكرة الأتباع.
لازلت أتذكر ذلك الكهل وهو يتردد على مركز الشرطة وجهات التحقيق ثم المحكمة الجزائية بسبب تغريدة كتبها وخوّن فيها أخا له في الدين والوطن ، لا لشيء إلا لأنه يختلف معه، فكنت أتساءل وأنا أسمع اعتذاره وتوسله لجهات التحقيق بأن تنهي القضية؛ ألم يكن ذلك الشيخ في سعة من كل هذه (البهدلة) لو استحضر قيم الشريعة ومقاصدها التي أمرت بحفظ اللسان ؟ أليس بالأجدى لهذا الشيخ أن يتبتل في محراب المسجد دون أن يعرّض نفسه وأولاده لكل هذه المهانة والابتذال ؟
باستطاعة الجميع أن يناقش أو ينتقد أي فكرة صدرت من أي شخص لأنه بمجرد أن يطلق الإنسان لفكرة في فضاء عام، فإنها تكون قابلة للنقد مهما كان قائلها مع استحضار أدبيات وقواعد النقد والمناقشة لكن هذا لا يعطيك الحق بأن تتجاوز الفكرة لتصل لشتم أو سب قائلها لأنك عندها ستكون خارجاً على القانون ويمكن أن تجد نفسك ذات يوم تحت طائلته، حتى ولو صفق لك متابعوك ووصفوك بالمناضل والمجاهد الذي لا يخشى في الله لومة لائم، ولن تنفعك تلك اللجان الإلكترونية التي تملأ منشنك بعبارات مكررة مثل (اجلد) (في نصف الجبهة) لأنك ستواجه العدالة وحدك في قاعة لا يوجد فيها سوى قاضٍ يتربع على منصته يحاكم تغريدتك بعيدا عن ضجيج الجماهير وإلى جوارك مدع لن يتنازل عن حقه بسهولة وقديما قال الحكماء (سوف ترى إذا انجلى الغبارُ … أفرس تحتك أم حمارُ).
25/04/2016