تسيدت في الأسبوع الماضي أخبار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشهد الإعلامي من خلال ثلاثة حوادث متلاحقة كانت حديث المجالس ومادة ثرية في الإعلام.
والسؤال الكبير الذي تطرحه هذه الحوادث؛ ما هو سبب هذه الأحداث المتكررة من بعض أعضاء الهيئة وإصرارهم عبر السنوات الماضية على تعمد انتهاك القواعد القانونية السارية في الدولة خصوصا نظام الإجراءات الجزائية مع تأكيد القيادات الإدراية للهيئة بعد كل حادثة على التزامهم بتطبيق الأنظمة القانونية التي أصدرتها الدولة، والتي تحكم عملهم كجهة ضبط جنائي؟
والإجابة عن ذلك التساؤل الكبير لا تكون إلا بتأكيد فرضية وجود تيارين متضادين داخل الهيئة وصراع بين الحمائم والصقور، بين جهة تريد أن (تمدن) الهيئة كجهاز حكومي خاضع للنظام القانوني للدولة مثله مثل باقي الأجهزة الحكومية يخضع موظفوه لنظام تأديب الموظفين، والأنظمة الخاصة بالملاحقة الجنائية لمن يستغل سلطته أو يكره مواطنا أو مقيما باسم الوظيفة العامة وعلى رأس تلك الأحكام القانونية مرسوم (43)، وجهة أخرى داخل الهيئة تريد أن تأخذ الجهاز بعيدا عن المنظومة القانونية للدولة باعتباره جهازاً محصناً ومنزهاً عن الأخطاء لا يجوز نقضه ولا نقض أعضائه حيث يتربعون على أريكة تعلو كل الأنظمة القانونية السارية في الدولة.
إن الحلول الجذرية مع مثل هذه التجاوزات من بعض الأعضاء المتمردين على الأنظمة داخل الهيئة تأتي من خارج جهاز الهيئة حيث إن أهم إجراء يجب اتخاذه في مقابلة تلك التجاوزات غير القانونية يكون بإبطال تلك الإجراءات وعدم الاعتداد بها أمام هيئة التحقيق والادعاء العام وأمام المؤسسات القضائية وذلك من خلال تعديل نظام الإجراءات الجزائية فيما يخص (بطلان الإجراءات)، والتأكيد على المبدأ القانوني الراسخ (لا يعتد بالدليل إذا كان وليد إجراءات قانونية باطلة)؛ حيث يجب النص على هذا المبدأ حتى لا يكون مجالا للاجتهاد من قبل المحققين في هيئة التحقيق والادعاء العام أو القضاة في المحاكم الجزائية، ومتى ما علم العضو المتمرد بأن إجراءه سوف يحكم ببطلانه وتحفظ القضية فإن ذلك سيحد من جماح تهوره وسيلزمه بالوقوف عند السياج القانوني المحدد له من قبل الدولة لأن الاعتداد بالدليل الناتج من الإجراء الباطل هو نسف لأحكام نظام الإجراءات الجزائية، فما الفائدة من أحكام التفتيش الصارمة وحرمة المنازل ومنع التجسس والإساءة إلى المتهم إذا كانت تلك الأحكام لا تطبق بشكل وجوبي وكان يعتد بالدليل ولو كان مخالفاً لأحكامها.
والإجراء الثاني الذي يجب اتخاذه لمواجهة مثل هذه الممارسات والحد منها هو بالعدول عن المبدأ القضائي الذي أصدرته المحكمة العليا بالتعزير بالشبهة وذلك في قرارها رقم 21/م في 28 / 4 / 1436هـ لأن هذا المبدأ إذا ظل كما هو عليه سيعزز سلطة هؤلاء المردة لأنهم سيعلمون أنهم سينالون من ضحيتهم بصدور حكم قضائي جنائي عليه حتى ولو كان هناك خلل وعوار في إجراءاتهم القانونية.
لا حل أمامنا لمواجهة هذه الممارسات المهينة للإنسان إلا بترسيخ المبادئ القانونية الحمائية لكرامته، والتي أصدرتها الدولة وأكدت عليها مراراً القيادة السياسية وبغير ذلك فإن الأمور ستزداد سوءاً وسيتشجع الكثير من الاعضاء على ممارسة تجربة خرق القانون. فالمبادرة لا بد أن تكون من قبل المؤسسات الرقابية في الدولة للتدخل الجراحي العاجل.